الإرهاب- خبث دفين، خطر داهم، وفتنة تهدد الأمم.

المؤلف: محمد مفتي10.25.2025
الإرهاب- خبث دفين، خطر داهم، وفتنة تهدد الأمم.

مما لا شك فيه، أن مواجهة الإرهابيين أشبه بمجابهة الطبيب للأمراض المستعصية التي قلّما يُرجى شفاؤها. فتعاطي المهدئات والمسكنات في حالة الأمراض المزمنة لا يقود إلى تعافي المريض التام، بل يمنح الجسد فترة راحة مؤقتة، سرعان ما يعود بعدها الألم أكثر حدة وفتكًا مما كان عليه في السابق. قد يتظاهر بعض المخادعين بالوداعة واللطف في أوقات معينة، مع أن الطيبة والشهامة بعيدتان كل البعد عن طبائعهم، إلا أنهم يتقنون ببراعة فن التكيف مع الظروف العاصفة والانحناء أمامها، وعندما تسنح لهم الفرصة يستغلون فترة الهدوء لإعادة ترتيب صفوفهم والانقضاض بوحشية على كل من يحيط بهم في المستقبل القريب.

يتحلى معظم الإرهابيين بهذه السمة الذميمة، إذ يحملون في دواخلهم ما يشبه الفايروس الذي يصيب المرء بالداء العضال. هذا الفايروس هو خليط سام من عقد النقص المتأصلة، ومشاعر الكراهية، والغيظ، والحسد. والإرهابي ليس فقط من يحمل السلاح ويقتل الأبرياء هنا وهناك، بل هو أيضًا من يسعى إلى إشعال نار الفتنة، ويعتنق أسلوب التفرقة والتمييز بين أبناء الوطن الواحد. الإرهابي الحقيقي هو من يخطط وينفذ العمليات الإجرامية، ومن يأوي الفارين من العدالة، ومن يمول تلك العمليات الدنيئة، بل ومن يتعاطف معهم بنشر التعليقات المؤيدة لأفعالهم على منصات التواصل الاجتماعي المختلفة.

هناك أصناف من البشر يتسمون بالخبث والدهاء بالفطرة، وهم بارعون جدًا في استغلال هذا الخبث لتحقيق مآربهم الخسيسة، إذ يخفون قدرًا هائلاً من المكر والخديعة، وقادرون على استكشاف نقاط القوة والضعف لدى الآخرين واستغلالها بذكاء لخدمة خططهم الجهنمية. هذا النمط من الإرهابيين قد لا تفارق الابتسامة وجوههم، غير أنهم يخفون وراء هذه الابتسامة الزائفة مكرًا ودهًاء قد يعجز عن حمله أعتى الجبال، فهم يتحدثون بألسنة معسولة بينما قلوبهم تنضح بالسم القاتل. هؤلاء ليسوا سوى خلايا سرطانية خطيرة وقنابل موقوتة قابلة للانفجار في أي لحظة عندما تسنح لهم الفرصة المناسبة، فضلاً عن أنهم قد يكونون أهدافًا سهلة المنال لبعض القوى الخارجية الخبيثة التي ترى فيهم أرضًا خصبة لزرع نواياهم الشريرة.

لقد كانت المملكة العربية السعودية من أكثر الدول التي عانت وتضررت من أفعال هؤلاء الإرهابيين، ولكن عندما واجهتهم الدولة بحزم وقوة، فرّ البعض منهم إلى دول أخرى لممارسة إرهابهم فيها؛ فمنهم من وجد ضالته في تنظيمات إرهابية مثل داعش أو القاعدة ليفرغوا ما في جعبتهم من كبت وحقد دفين تجاه المجتمعات التي انتشرت فيها الميليشيات المتطرفة. والكثير منهم لجأ إلى دول غربية منحتهم حق اللجوء السياسي، لتصبح هذه الدول لاحقًا من أوائل المتضررين من إرهابهم. وقبل أيام قليلة، أقدم إرهابي مطلوب في المملكة يدعى طالب عبدالمحسن على قتل وإصابة العشرات من المواطنين الألمان في ألمانيا التي منحته الإقامة الدائمة، ومن المؤكد أن ألمانيا لو قامت بتسليم هذا الإرهابي إلى بلاده لكانت قد نجحت في الحفاظ على أرواح مواطنيها. ولعل تعليق إيلون ماسك، مالك منصة إكس «تويتر سابقًا»، يحمل من الحقيقة ما يكفي لإسكات الكثير من الألسن التي توجه اللوم للمملكة، حيث كتب ماسك في صفحته: "إن من رفض تسليم هذا القاتل هو من يستحق أشد العقاب".

من المعلوم أن هناك عددًا من الولايات الأمريكية تطبق عقوبة الإعدام بحق القتلة والإرهابيين، وأذكر أنني شاهدت سابقًا تقريرًا في إحدى القنوات يناقش تطبيق عقوبة الإعدام في الولايات المتحدة بين مؤيد ومعارض، ففي الولايات التي تطبق هذه العقوبة يؤمن المشرعون فيها أن بعض الجرائم لا يمكن التغاضي عنها أو التساهل مع مرتكبيها، ويرون أن مجرد الاكتفاء بعقوبة السجن هو بمثابة إعطاء المجرم فترة راحة ليستأنف نشاطه الإجرامي بعد انقضاء مدة العقوبة.

وقد لاحظت أثناء مشاهدتي لقناة التحري الأمريكية Investigation Discovery أن بعض المجرمين الذين سجنوا لفترات طويلة قد عادوا لارتكاب جرائمهم بعد خروجهم من السجن بفترات وجيزة، وكأن السجن كان فترة استرخاء واستجمام لهم، ولذلك فإن العقوبات الرادعة التي تطبقها المملكة العربية السعودية ضد بعض الإرهابيين -والتي قد يصفها البعض بالتشدد- تهدف إلى حماية شعب المملكة والشعوب الأخرى أيضًا، أما التساهل مع هؤلاء المتطرفين فهو الفتنة بعينها، والفتنة أشد وطأة من القتل. إن التعامل الحازم والصارم مع بعض الظواهر الخبيثة هو ضرورة لا غنى عنها لحماية الدولة ومواطنيها، حتى لا تتحول أراضي المملكة إلى ساحة حرب ترعاها "بعض" الأطراف الخارجية التي تكن للمملكة وشعبها الحقد والضغينة، وتتمنى لها الانقسام والتشرذم على غرار بعض دول المنطقة.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة